يجلس مره اخرى و قد أعد عدته لسهرة طويله قهوته..سجائره..و الورقه و القلم
و يبدأ بنفس التساؤل الذى تصدر ورقاته فى الثلاث سهرات الماضيه
"من أنت؟؟"
كل ما يريد هو كتابة تعريف تعريف لنفسه دوائر..هى كل ما يستطيع قلمه أن يخط
لم يكذب القلم ربما تكون هذه الدوائر هى أدق تعريف له دوائر متصله ..متداخله..يملأها من حين لأخر قطرات من الحبر الأسود.
يرجع رأسه للخلف..يأخذ نفسا عميقا.. يتسأل لما؟؟ لما ينهك نفسه فى البحث عن تعريف ثابت لذاته؟؟
لما يعشق التعريفات نفسها لهذه الدرجه؟؟
لما لا يستطيع اللإجابه على سؤال بسيط كهذا ؟؟
تدور عيناه على سقف غرفته..باحثه عن إجابات ربما نقشها رجل آخر يوما ما على نفس السقف فى محاوله لتعريف ذاته.
يقطب حاجبيه و تضيق عيناه..انها صورهم مره اخرى..تبا لهم..لما لا يتركونه فى سلام..لما يأتونه كل يوم ليكدروا صفو تأملاته
و كعادتهم أخذوا يثرثرون فى نفس الوقت..كل منهم يلعب دور العالم بكل شىء و ينطلق بطلاقه يحدثه عن نفسه هو و يعرفها..هذا يراه ورع..و هذا شيطان..هذا يراه فنان و هذا يراه أجوف..صديق و عدو..عاقل و مجذوب..كل منهم له تعريفه الخاص الذى يصر عليه..يسرح معهم فيرى لقطات من الماضى كان بها الورع ..لكن سرعان ما تأخذه لقطات أخرى كان بها الشيطان..يرى جميع التعريفات و قد عاشها فى لقطات ...
يصرخ.. يسد أذنيه.. فيزداد صوتهم قوه و مع صرخاته المستمره تزداد جرأتهم عليه فلأول مره يتركون السقف و يحاوطونه ..يتجاذبونه. .صوتهم يرج كيانه.. يتخلخل بين دمائه.. كل منهم حامل صورة له يصر على انها هو.. هو لا يرى نفسه اى منهم يحاول إبعادهم بيديه دون جدوى..يحاول ان يمسك بالصور فيمذقها لكنها تهرب من بين يديه و تعود لتطارده من جديد.
اذا أيها الأوغاد لا حل لكم الا هذا يمسك بولاعة سجائره و أوراقه... يحرقها..يشيح بالورق المحترق فى وجوههم ..ها هم يحترقون ..يصرخ منتشيا يحرق المقاعد التى يتقافذون عليها هربا منه..يملأ أرجاء الشقه بصرخات الأنتصار..ها هو يحرق كل التعريفات ..يحرق كل الذكريات..الان يعرف إجابة سؤاله..من أنت؟؟ هو لا شىء..هو صفحة بيضاء لم يخط بها بعد..يرقص بين النيران و صرخات النشوه لا تفارقه..يشعر بالنيران تلفح جسده فتزداد نشوته..أخيرا وصل لما يريد..أخيرا.
_____________
اللقطه الثانيه: _______
يترك سيارته فى عرض الطريق يجرى مسرعا يتوجه للحارس يرجوه أن يفتح له البوابه يرفض الحارس بشده يخرج كل ما فى جيبه من أموال و يضعها بيديه ...أرجوك..أرجووووك يقولها بصوت منتحب
يسأله الحارس:إنت نسيت حاجه يا بيه جوه؟ هو بصوته الباكى: نسيت أغلى حاجه الحارس: طيب يا بيه أنا هدخلك بس متتأخرش متعمليش مصيبه ربنا يسترك
يشد على يده و عيناه تحمل من الشكر له اكثر مما خرج على لسانه من تمتمات
ها هى البوابه تفتخ و ها هو يخطو أول الخطوات داخل مدينة الملاهى لما هى بالذات؟؟ لا يدرى بداخله يقين انه سيجد الإجابه التى يبحث عنها هنا ترك قدميه تأخذه بين طرقاتها يتلفت حوله كالمجنون يبحث عن علامه الإجابه هنا..لكن أين؟
ثلاث ليال متتابعات لم يستطع النوم للحظه..إنه هذا السؤال اللعين..من أنت؟؟ سيقبل أى إجابه للسؤال أى تعريف يريد فقط أن ينام فى هدوء
ثبتت عيناه على هذه اللوحه لوحه كتب عليها " بيت المرايا" و رسم بجانبها صور مختلفه لنفس الشخص ذهب راكضا هى مقصده حتما
ها هو يدخل..و ها هم يظهرون له من جديد على المرايا هم حوله فى كل مكان هو المشوه..و هو السوى...هو الصادق و هو الكذاب..هو و هو ..هو و هو جميعهم حوله ينظرون له و ينظر لهم أين الإجابه؟؟ يريد صوره واحده فقط صوره واحده يتخذها تعريف لنفسه..لن يختار ..لن يرفض اختيارهم سقط منهارا على الأرض ..فوجدهم يخرجون من المرايا..ها هى هو الحنون تربت على كتفه..تدعوه لينهض هو القاسى أيضا تبتسم له و تمد يدها إليه..يرفعونه جميعا لأعلى و يعزفون بأقدامهم سيمفونيته المفضله يرقصون به فى كل الارجاء...ينزلونه على الأرض مره أخرى فى رفق..و يدعونه لمشاركتهم الرقص يرقص و يرقصون خلفه..يشعر كأنه قائد أوركسترا...يندمج أكثر و أكثر..تأخذه النشوه..يعزف معهم أجمل الألحان..يدور و يدور..يدورون معه...يشعر أنه أقوى..أنه بهم أقوى من أى وقت...يتسأل لما يريد تعريف واحد لذاته؟؟..لما يريد قتل أنايته الأخرين بداخله؟؟ فلتسقط التعريفات...هو هم و هم هو
يرفع يديه عاليا..يصرخ داعيا أياهم للتصالح..يطيرون حوله الأن...يدخلون فى تتابع فى جسده..و مع كل أنا تدخل يشعر بإعادة ميلاده...فيصرخ منتشيا..و يرفع يديه داعيا الأنا التاليه لتسكنه
يخرج من هناك و عرقه يتساقط منه و كأنها أمطرت عليه هو فقط...يترك الحارس فى دهشته ..و يركب السياره سريعا و يتجه لبيته...
يصعد درجات السلم....يطرق باب شقته يسأله صوت أنثوى من الداخل: مين؟؟ يجيب فى نشوه و ثقه:أنا..أنا كل الصور تفتح الباب ..يرتمى فى أحضانها..تسأله: إنت عرفت؟؟ يجيب:آه عرفت يسرع إلى غرفته بينما تحكى له هى عن هذه الليله المئساويه..عن سيارات الإسعاف و الإطفاء التى ملأت المكان ..عن محاولتهم لأنقاذ ساكن الدور السفلى من الحريق الذى شب فى شقته...تحكى و تحكى هو لا يسمع حرفا مما تقول..ينظر الى أرضية غرفته...ينزل على ركبتيه ليتأكد أن عيناه لا تخدعه..هى بالفعل خاليه..الصور التى سكنتها طوال الثلاث ليال الماضيه لم تعد هناك... يبتسم فى إرتياح..يلقى جسده على سريره..الان فقط سيمكنه النوم..فهو أخيرا وصل لما يريد...اخيرا .